الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
{كُل نَفْسٍ ذَائقَةُ الْمَوْت ثُم إلَيْنَا تُرْجَعُونَ (57)}.إذا كان الأمرُ كذلك فالراحة معطوفة على تهوين الأمور؛ فسبيلُ المؤمن أن يوطن نفسَه على الخروج مستعدًا له، ثم إذا لم يحصل الأَجَلُ فلا يستعجل، وإذا حضر فلا يستثقل، ويكون بحُكْم الوقت، كما قالوا:
{وَالذينَ آمَنُوا وَعَملُوا الصالحَات لَنُبَوئَنهُمْ منَ الْجَنة غُرَفًا تَجْري منْ تَحْتهَا الْأَنْهَارُ خَالدينَ فيهَا نعْمَ أَجْرُ الْعَاملينَ (58) الذينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبهمْ يَتَوَكلُونَ (59)}.هم- اليومَ- في غُرَف معارفهم على أَسرة وَصْلهم، مُتَوجُون بتيجان سيادتهم، يُسْقَوْن كاساتٍ الوَجْد، ويَجْبُرُون في جنان القُرْب، وعدًا كما قال:-{الذين صَبَرُوا وعلى رَبهمْ يَتَوَكلُونَ}.والصبرُ الوقوفُ مع الله بشرط سقوط الفكرة.الصبرُ العكوفُ في أوطان الوفاء، الصبر حَبْسُ النفْس على فطامها.الصبر تجرعُ كاسات التقدير من غير تعبيس.الصبر صفة توجب معيةَ الحق. وأَعْززْ بها!.وأولُ الصبر تصبر بتكلفٍ، ثم صبر بسهولة، ثم اصطبار وهو ممزوج بالراحة، ثم تحقق بوصف الرضا؛ فيصير العبدُ فيه محمولًا بعد أن كان مُتَحَملًا.والتوكلُ انتظار مع استبشار، والتوكلُ سكونُ السر إلى الله، التوكلُ استقلال بحقيقة التوكل؛ فلا تتبرم في الخلوة بانقطاع الأغيار عنك. التوكل إعراضُ القلب عن غير الرب.{وَكَأَينْ منْ دَابةٍ لَا تَحْملُ رزْقَهَا اللهُ يَرْزُقُهَا وَإياكُمْ وَهُوَ السميعُ الْعَليمُ (60)}.{لا تَحْملُ رزْقَهَا} أي لا تدخره، فمن لم يدخر رزقه في كيسه أو خزائنه فاللهُ يرزقه من غير مقاساة تعبٍ منه.ويقال: {لا تَحملُ رزْقَهَا} المقصود بها الطيور والسباع إذ ليس لها معلوم، وليس لها بيت تجمع فيه القوت، وليس لها خازن ولا وكيل. الله يرزقها وإياكم.ويقال إرادةُ الله في أن يستبقيكَ ولا يقبض رُوحَك أقوى وأتم وأكبرُ من تَعَنيك لأَجْل بقائك. فلا ينبغي أَنْ يكونَ اهتمامُكَ بسبب عَيْشك أتم وأكبرَ من تدبير صانعك لأجل بقائك. اهـ.
الثاني: أن يكون المراد منه كلامًا متصلًا، وهو أنهم يعرفون بأن ذلك من الله ويعترفون ولا يعملون بما يعلمون، وأنت تعلم وتعمل فكذلك المؤمنون بك فقل الحمد لله وأكثرهم لا يعقلون أن الحمد كله لله فيحمدون غير الله على نعمة هي من الله الثالث: أن يكون المراد أنهم يقولون إنه من الله ويقولون بإلهية غير الله فيظهر تناقض كلامهم وتهافت مذهبهم فقل الحمد لله على ظهور تناقضهم وأكثرهم لا يعقلون هذا التناقض أو فساد هذا التناقض. اهـ.
|